الأحد 19 مايو 2024 07:16 صـ 11 ذو القعدة 1445هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    ”مسلكيات” 66     ”يريدُك لنفسك” 

    رابطة علماء أهل السنة

       مما يزيدُ حبَّ الله وتعظيمَه في النفوس معرفتُه باسمه "الغنيِّ" ، وهو من معاني "الصمدية" التي لا تليقُ بأحدٍ سواه، فكلُّ من سواه فقيرٌ ومحتاج، وكلُّ تصرُّفٍ ينشأ من العبادِ لا ينفكُّ عن شهودِ ما فيه من عوائد المصلحة الذاتية إنْ في العاجل أو الآجل. 
    فكلُّ أحدٍ يريدُك إنما يريدُك لنفسه إلا الله فإنه يريدُك لنفسك. 
    عند التأمل في هذه العبارة المُلهَمة ستجدُ أنَّ كلَّ مَن أرادك له حظٌّ فيك، وأنَّ كلَّ من أردتَه لك حظٌّ فيه، بشكل أو بآخر، والتفاتُ النفس إلى حظِّها هنا هو من المصالح الفطرية المشروعة التي لا تستقيمُ الحياةُ بدونها. 

    فعندما تريدُ السلامةَ لمحبوبك من الآفات فحظُّ نفسك أنها تريدُ أن تستمتعَ به بلا منغِّصات. 

    وعندما تضمُّ ولدَك وتقبِّلُه لتمنحَه جَرعةً عاطفيةً تكون في الوقت نفسه قد أشبعتَ بذلك حاجتك العاطفيةَ الغريزيةَ منه.
     
      وعندما تبكي عزيزًا ماتَ أو سافرَ فإنما تبكي فواتَ حظِّكَ من صِلَته، إذ قد يكونُ ما انتقل إليه أصلحُ له وأنت تعلم. 

      هكذا جعلَ اللهُ في العباد تقابلَ الحاجات والرغبات، فيخلقُ العاطفةَ نحو الصغير لأنه بحاجةٍ إليها في تكوينه النفسيِّ والعاطفيِّ، ويخلُقُ لذَّةَ الوصال بين الزوجين متقابلةً ليتحقَّقَ التوازنُ في الأخذِ والعطاء، بل حتى عندما تتصدَّق على الفقير دون مقابلٍ ظاهرٍ يكونُ حظُّك من الصدقة تحريرُ النفس من الشُّحِّ، وقِس ما سوى ذلك عليه ستجدُ أنك في الحقيقة لا تكادُ تُعطي إلا وأنت تأخذُ من عطائك ذاته، فتكون آخذًا ومعطيًا في الوقت نفسه. 

       إنَّ حاجاتِ الإنسان ليست مقصورةً على الحِسِّي، بل المعنويُّ والنفسانيُّ أليَقُ بهذا المخلوق الراقي المكرَّم. 

        ومن أجلِّ معاني الصمدية الربانية أن تعتقدَ غناهُ المطلقَ، فهو لا يعطيك لأنه يرجو منك حظًا لنفسه كما هو شأنُ المخلوق ـ تعالى الجليل ـ بل يريدُك لنفعِك فحسب، فخلقُهُ إياك لأجلك لا لحاجته، وليس فوقَ هذا الكرم من كرم. 
    فلو كان العبادُ أجمعون على أتقى قلبٍ فيهم ما نفعَهُ شيء، ولو كانوا على أفجرِ قلبٍ فيهم ما ضرَّهُ شيء. 

      إذن أنت تحتاجُ إلى عبادة ربك لتُشبِعَ في ذاتك فقرَك الفطريَّ إليه، فتجد السعادةَ والهناء، ولا يعودُ نفعُ عبادتك على الله بحال. 

     والفائدةُ المسلكيةُ من استحضار هذه القيمةِ الإيمانيةِ الوِجدانيةِ هي ارتفاعُ رؤيةِ العبدِ عملَه، وملازمةُ الافتقار، وطردُ المَنِّ والاستكثار، فليسَ للفقير من كلِّ وجهٍ أن يمُنَّ على الغنيِّ من كلِّ وجه.

       أيها السالكُ لأرقى المسالك.......  حلِّق وترنَّم بقول الإمام ابن تيميةَ:

    والفقرُ لي وصفُ ذاتٍ لازمٌ أبدًا ........ كما الغنى أبدًا وصفٌ له ذاتي

    مسلكيات تزكية يريدك لنفسك

    مقالات