الأربعاء 1 مايو 2024 11:39 صـ 22 شوال 1445هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    الجوراني يكتب في رثاء العلامة الشيخ شعيب بن محرم الأرنؤوط

    رابطة علماء أهل السنة

    تنعى رابطة علماء أهل السنّة العلامة المحقق فضيلة الشيخ شعيب بن محرم الأرنؤوط رحمه الله
    ونسأل الله أن يجعل أعماله في ميزان حسناته ويخلف في الأمة أمثاله

     

    الحمد لله على كل حال والصلاة والسلام على نبينا محمد وسائر الصحب والآل أما بعد :

    يقول الحق سبحانه: ( أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها)
     قال ابن عباس ومجاهد : نقصانها خرابها بموت علمائها وفقهائها وأهل الفضل.
    موتُ العالِم ثلمة لا يسدُّها شيء ما اختلف الليل والنهار 

    فما كان قيسٌ هُلْكه هُلْك واحدٍ  ::::  ولكنه بُنيان قومٍ  تهدّما
    وإي والله صدق من قال:
    موت العالِم موت العالُم.

    رحل شيخنا العلامة حسنة بلاد الشام الفقيه المحدث المحقق شيخ الحديث شعيب بن محرم الأرنؤوط رحمه الله رحمة واسعة بعد حياة حافلة بالعلم والعمل والدعوة والعيش في رحاب السنة النبوية.

    رحل الشيخ وقد كان ملء السمع والبصر علماً وفضلاً وخُلقاً ونُبلا وكرماً وتواضعاً ولين جانب.
    رحل الشيخ وكان قد ولد في عام ١٣٤٦هج = ١٩٢٨م وعاش إلى آخر الثمانين من عمره إذ ناف عن ٨٨ عاماً ولم تنقطع دروسه العلمية لشتى الطلاب من عرب وألبان وماليزيين وأتراك وغيرهم ؛ رحل وهو يلهج في آخر يومين بالسُّنة ويُحدِّث بالاثر ويستنبط الفقه وعقله صحيح وافر، وبصيرته نيِّرة لم تغب السُّنة عن قلبه وعقله وروحه فعاش بالعلم وللعلم وختمت بالعلم.
    وهكذا هو صنيع الجهابذة العلماء الربانيين من المحبرة إلى المقبرة.

    رحل الشيخ ليقدم على ربه فيجد أمامه ما قدّم وما أحسن من علمه وعمله الذي قام على سنة رسول الله ﷺ  وتحقيقها وتصحيحها وتنقيتها رواية ودراية عقوداً طويلة حتى اختلطت بلحمه وعظمه ودمه. وقد بات أعلم أهل الحديث في عصره يشهد على ذلك كبار العلماء من أهل الحديث من عربهم وعجمهم 
    فاللهم اجزه خير ما جزيت به عالماً عن أهله وأمته.

    رحل الشيخ وهو يحمل همّ الإسلام والعلم والدعوة، رافقته في سفرات كثيرة كان من اخرها إلى تركيا زرنا عدة مدن فيها كان نشيطاً حريصا على  العلم والدعوة وتصحيح الافكار ورد الشبهات والأخطاء وقد رأيت منه وهو في آخر الثمانين عجباً فكان من شدة الارهاق والتعب أن ركبنا في يوم واحد طائرتين لدرس في الصباح ثم مغادرة لدرس في المغرب ثم انطلقنا ثالثة عند الفجر لأخرى وما بتنا الا ساعتين أو ثلاثة خلال يومين ونصف يوم؛ فما كَلَّ ولا مَلَّ بل كان بسّاماً مسرورا قد أحبَّ هذا السعي والإفادة رحمه الله تعالى .

    رحل الشيخ في خاتمة طيبة هنية وأمارات حسنها جلية 
    رحل في يوم الخميس الساعة ٦.٣٠ بعد المغرب مساء في ليلة الجمعة وهو الذي حسّن حديث من مات ليلة الجمعة وقاه الله فتنة القبر.
    فاللهم قِهِ فتنه القبر وعذابه 

    رحل الشيخ وهو حَسَن الظن بربه راض بقضاء الله وقدره مطمئنٌ قلبه فَرِح بقرب لقاء ربه - ومن حُسْن الوفاق أن كان اخر كتاب لي اقرأه عليه كتابي «المشوِّق إلى لقاء الله تبارك وتعالى» - فكم كان يسأل الله حُسْن الختام وجميل اللقاء .

    ومن حسن الختام وتمام السعد في الأمارات الحسنة للخاتمة 
    أن رحل الشيخ وهو بعقيدة بيضاء نقية صفية على منهج أهل السنة والجماعة معتقداً منهج السلف الصالح ؛ قد قرّ قراره الأخير في آخر سني حياته عليها بعد بعض شوب في السابق في بعض تعليقات تابع فيها بعض أهل العلم مجتهداً وله فيها أجر وهي مغمورة في بحار حسناته ثم وفقه الله لمتابعة منهج السلف فيها فعاد العود أحمد؛ والمشرب أنقى وأسعد؛ فارتضى المذهب الحق وعاش به وأوصى عليه وختم الله حياته على ذلك قال ذلك بصريح قوله في غير ما لقاء وأمام كثير من أهل العلم والفضل ، ورقم بخط بنانه توثيق ذلك بلا مراء. فالحمد لله على تمام  الاهتداء. 
    ثم لم يجعل في حِلٍّ مَن نسبه إلى مذهب غير مرضي في العقيدة بعد أن نبذه؛ كالتعطيل والتأويل والتفويض ، والله حسبه يقتص له ممن شغب بذلك عليه . 
    والكل سيفد على ربه فليختر له موقفاً بين يدي ربه ورحم الله عبداً حفظ لسانه من قالة السوء؛ فلحوم العلماء مسمومة وعادة الله في الكاذب عليهم والمنتقص منهم معلومة . 
     
    رحل الشيخ ويده كانت عُليا منفقة كريمة معوانة لغيرها من طلبة العلم عزيز النفس كريم الشيم بهي الطلعة ومن حسن الختام مما نحسبه له؛ يوم غسلناه كان ضاحكاً بسَّاماً قد أشرق وجهه واستضاء فاللهم متِّعه بلذة النظر إلى وجهك الكريم.
    رحل الشيخ وكان إمام عصره في علم التحقيق والتدقيق 
    سيشهد له صحيح البخاري وعنايته به
    وسيشهد له فتح الباري وخدمته
    وكتب السنن 
    ومسند الإمام أحمد 
    ومشكل الآثار 
    وزاد المسير
     وزاد المعاد
     فاللهم إلهي وخالقي اجعلها خير زاد له يوم لقاك يا جواد يا كريم

    رحل الشيخ وتوافدت جموع أهل العلم والفضل والمنزلة على تشييع جنازته في صلاة الجمعة  ٢٧ محرم ١٤٣٨هج = من الداخل والخارج وازدحمت الطرق وما خرجنا الا بعد أذان العصر شهدوا له بالعلم والخير والفضل والمنقبة
    وهؤلاء شهداء الله في أرضه 
    صدق فيه إن شاء الله: مئة مصلٍّ ؛ وأربعون؛  وثلاثة صفوف ؛ بل وأربعة 
    فاللهم حقق فضائل هذه الاحاديث فيه وتقبله عندك واجمعه مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

    هذه شجون كتبتها في الطريق وقد أصاب الفؤاد ما أصاب
    وسيأتي تفصيل ذلك في كتابي عن حياته في طبعته الثانية  
    ( العلامة شعيب الارنؤوط شيخ الحديث ومحقق العصر وجهوده العلمية والعملية ) اصدار مركز الذخائر للتراث


    تلميذك المحب 
    أبو العالية
    محمد بن يوسف الجوراني العسقلاني
    عصر الجمعة
    ٢٧/ محرم / ١٤٣٨هج

    شعيب الأرناؤوط العلامة رثاء الجوراني

    مقالات