السبت 27 أبريل 2024 04:32 صـ 18 شوال 1445هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    صراع إيران مع أمريكا .. المسرح العبثي!!

    رابطة علماء أهل السنة

       لم ير المسلمون على امتداد تاريخهم دولة تخدعهم وتفعل في السر عكس ما تقول في العلن مثل إيران ومن يدور في فلكها من جماعات شيعية.

    ويبدو أن عقيدة "التقية" واضحة جلية في كل ما يقول القوم، كيف وهم يكفّرون الأمة جميعها، خاصة قادتها العظام وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقولون إنهم ارتدوا بعد وفاة الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم.

    وإذا كان الإيرانيون قد تفننوا في رفع شعارات مثل "الشيطان الأكبر" و"الموت لأمريكا"، فإن العالم كله قد اكتشف أن ذلك من قبيل ذر الرماد في العيون، وشهدت السنوات الماضية تنسيقًا إيرانيًا أمريكيًا كاملاً في أفغانستان والعراق وسوريا واليمن، ولم تقف إيران أبدًا ضد أمريكا في أي صراع يخوضه الأمريكيون، إنما كان هناك التعاون وتقديم الخدمات.

    وإذا كانت الأوضاع في سوريا مشتعلة منذ خمس سنوات، فإن إيران قد ألقت بقدها وقديدها خلف النظام العلوي الشيعي في سوريا، ولولا دعمها السياسي والعسكري والاقتصادي لنظام بشار، لكان هذا النظام الديكتاتوري قد سقط منذ سنوات.

    ولكن رغم حساسية الموقف في سوريا، فإن الولايات المتحدة، التي لم تتدخل مباشرة في سوريا، أدارت الصراع عن بعد، فوافقت على الدور الإيراني والروسي لدعم نظام بشار، بينما وقفت بشدة ضد الدعم السعودي التركي القطري لفصائل المعارضة التي تقاتل نظام بشار، وفرضت قيودًا صارمة على الأسلحة النوعية التي من شأنها ترجيح كفة المعارضة والتصدي للطائرات التي تصب براميلها المتفجرة على السوريين، وكان من شأن هذا إطالة زمن الثورة المسلحة وعدم تمكين فصائل المعارضة من القضاء على النظام العلوي النصيري الطائفي.

    أي إن الولايات المتحدة وقفت في وجه المساعدات النوعية السعودية التركية القطرية لفصائل المعارضة، لكنها تركت إيران تفعل ما تشاء على الأرض السورية، وهي تعلم أن الآلاف من قادة وجنود الحرس الثوري الإيراني يقاتلون في سوريا، والجنرال قاسم سليماني يقود المعارك بنفسه، وترسانة السلاح الإيراني مفتوحة تمامًا لمد النظام السوري بكل ما يحتاجه، ولا يمكن وصف ذلك إلا بأنه تعاون وتنسيق، وأن المصالح الإيرانية الأمريكية متشابهة بل مشتركة في الملف السوري.

    أما في العراق فإن ما قامت به أمريكا بعد سنوات من الحرب في العراق، هو أنها سلمت بلاد الرافدين على طبق من ذهب لإيران تفعل فيها ما تشاء. وإذا كان الأمريكان قد هندسوا النظام السياسي العراقي على أسس طائفية متطرفة، فإن إيران لم تكن غائبة عن ذلك بل كانت حاضرة وشريكة، ثم ورثت الأمر كله وصار القرار العراقي لا يتخذ غلا في طهران، وصارت طهران قبلة للساسة العراقيون يذهبون إليها لتلقي الأوامر والتوجيهات. فهل ما حدث في الملف العراقي يمكن تسميته بأسماء أخرى غير التعاون الكامل والتنسيق المسبق؟

    وإذا توجهنا ناحية اليمن، فإنه كان من المستغرب لدى قطاع كبير من أبناء الشعب اليمني، أن تسقط العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات الشمالية تحت سيطرة الحوثيين دون أن يُعبر الأمريكيون عن أدنى قلق من هذا التوسع العسكري والسيطرة على مقاليد الحكم.

    فجماعة الحوثي، التي ترفع شعار "الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل"، فتحت الطرق أمام العربات المصفحة التي أقلت طاقم السفارة الأمريكية بصنعاء إلى المطار ولم تعترض سيرهم، وتسلمت منهم السيارات الدبلوماسية وتحفظت عليها حتى عودتهم.

    وهكذا فإن الصمت الأمريكي المطبق تجاه ما مارسته حركة الحوثيين المسلحة في اليمن، من انتهاكات صارخة، ليس إلا مجرد إشارة قبول ورضا عن الدور الذي تقوم به الحركة لخدمة المصالح الأمريكية في البلاد. فتنفيذ الجماعة لأعمال عسكرية وسياسية تدخل ضمن المصالح الأمريكية يجعلنا نجزم أن العلاقة بين الطرفين أوضح من أن يتم إخفاؤها.

    فمنذ اجتياح الحوثيين للمدن اليمنية، وواشنطن ساكنة لا تعبر عن قلقها المعتاد مما حدث ويحدث، بل استمر طاقم عملها الدبلوماسي في العاصمة حتى تاريخ سقوطها، ولم يؤثر دخول الحوثيين إلى صنعاء على عمل السفارة، بل لم يقترب الحوثيون من مبنى السفارة.

    وفي ليلة سقوط صنعاء، كانت السفارات الغربية بما فيها السفارة الأمريكية بصنعاء بكل طواقهما المختلفة، تعمل في وضعها الطبيعي دون أي مؤشرات للقلق والفزع، في الوقت الذي كان المسلحون الحوثيون قد انتشروا في جميع أرجاء العاصمة واقتحموا الوزارات ومؤسسات الدولة ومقر البرلمان والحكومة، لكنهم بالطبع لم يقتربوا من سفارة واشنطن وسفارات الدول الغربية الأخرى.

    الولايات المتحدة الأمريكية تركز أهدافها على محاربة تنظيم "القاعدة" في جزيرة العرب، وقد فشلت كل الحكومات السابقة في محاربة "القاعدة" فشلًا ذريعًا، ولذلك جاء الحوثيون واستغلوا الموقف كي يعلنوا ولاءهم لأمريكا، فأكدوا أنهم أصبحوا سيفًا من سيوف أمريكا التي تضرب بها "القاعدة" والقبائل السنية في رداع والبيضاء والعدين والحديدة وصنعاء وبقية المدن تحت غطاء الحرب على الإرهاب.

    والسؤال الذي يتوارد إلى الذهن بعد كل ماسبق: لم حصل هذا التوافق الإستراتيجي الأمريكي – الإيراني مع أن إيران تهاجم (إعلاميًا فقط) أمريكا والكيان الصهيوني؟

    وللإجابة على ذلك نؤكد على الحقائق الإستراتيجية الآتية:

    – المشروع القومي الإيراني، لا يشكل نقضًا للمشروع الاستعماري الأمريكي الذي يتركز على استعمار الوطن العربي وليس على إيران، وهو يقوم، أي المشروع الإيراني، على إعادة بناء إمبراطورية فارس مع وجود مطامع في أقطار عربية معروفة، وأمريكا جربت النخب الإيرانية في التعاون معها في غزو العراق وأفغانستان، وتعرف أن كل ما تريده إيران هو المساومة من أجل زيادة مكاسبها وأطماعها في المنطقة العربية، وأمريكا واليهود يدركون ذلك جيدًا، ويعلمون أن صراع طهران معهم إنما هو صراع مصالح وليس صراعًا مبدئيًا أو عقائديًا أو جوهريًا.

    – كما إن المشروع القومي الإيراني لا يتناقض أيضًا مع المشروع الصهيوني، فالمشروع الصهيوني قام على الأرض العربية وليس على أراض إيرانية، وحدود إسرائيل التوراتية تنتهي عند الضفة الغربية لنهر الفرات، حسب الهدف المبدئي والإستراتيجي الصهيوني المعروف (أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل)، وهذه الحقيقة محسوبة من قبل الطرفين الصهيوني والقومي الفارسي، في زمن الشاه وفي زمن خلفه الخميني. وفي إطار هذا التوافق الإستراتيجي والمبدئي، توضع حدود تمنع نشوب صراع إستراتيجي بين الطرفين، حتى لو نشأت خلافات بينهما لأنها ستبقى ثانوية مقارنة بطبيعة صراع الطرفين مع العرب.

    – محور الصراع بين الأطراف الثلاثة المتلاقية (أمريكا وإيران وإسرائيل) هو حجم ونوعية مكاسب كل طرف، ولذلك فان حقيقة وجود اسم إيران ضمن المشروع الأمريكي – الصهيوني للشرق الأوسط الجديد، هو تعبير واقعي وطبيعي أيضًا عن وجود قاسم مشترك بين هذه الأطراف الثلاثة وهو تقسيم وتقاسم الأقطار العربية.

    ومن الأمور العجيبة التي تثير التعجب من تناقضات إيران والتي تؤكد أن إيران يحكمها المنفعة والمصلحة ولا يحكمها المصلحة العليا للأمة الإسلامية وروابط هذه الأخوة، أنها ورغم تبنيها الشعارات الإسلامية، إلا إنها تفضل الصداقة مع أرمينيا المسيحية على الصداقة والتعاون والأخوة مع أذربيجان المسلمة التي فيها أيضًا طائفة شيعية كبيرة، فالأخوة الإسلامية لا مكان لها في السياسة الإيرانية وإنما المكان هو للهواجس الأمنية والمصالح التي تتحكم في سياسة طهران وخاصة الخشية من تنامي المشاعر القومية والانفصالية في أذربيجان الجنوبية.

    فمن المفارقات أن نجد دولة مثل أذربيجان مع كثرة شيعتها إلا إن علاقتها مع إيران ليست علي ما يرام، وربما كان منطلق إيران من ذلك أن (الأزرد) أصولهم تركية ويتحدثون اللغة التركية، وأن إيران تفعل ذلك من باب مواجهة النفوذ التركي.

    صحيح أن خريطة العلاقات الدولية تتغير وتتبدل بتغير المصالح والأهداف، لكن سعي إيران إلى تعزيز نفوذها الإقليمي في وقت تمكنت فيه واشنطن وتل أبيب من إحاطة طهران بشبكة قوية من العلاقات مع دول منطقة القوقاز وآسيا الوسطى، ينبغي ألا يكون على حساب أذربيجان المسلمة.

    إيران تقوم باتخاذ خطوات إستراتيجية لإعادة تقييم علاقاتها مع الكثير من الدول بهدف الوقوف على قدم المساواة مع أمريكا وإسرائيل، واستعدادًا لأي طارئ إذا ما اندلعت حرب في تلك المنطقة .. هذا أمر يمكن فهمه، لكن لا يمكن استيعاب أن يكون ذلك على حساب الأخوة الإسلامية.

    كان يمكن لإيران أن تطور علاقاتها مع أرمينيا في مجالات عديدة، لكن لا يعني هذا أن يكون هذا التطوير على حساب مناصرة أرمينيا المسيحية ضد أذربيجان المسلمة.

    مقالات