الخميس 25 أبريل 2024 12:39 مـ 16 شوال 1445هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    ⁠⁠⁠⁠⁠التطبيع مع الكيان الصهيوني

    رابطة علماء أهل السنة

    ⁠⁠⁠⁠⁠التطبيع مع الكيان الصهيوني


    لا يعدم الاحتلال وسيلة للبقاء جاثما على الأرض الفلسطينية، فيما لا يتورع بعض الفلسطينيين والعرب بإعطاءه ترياق الحياة والبقاء عبر لقاءات تطبيعية وعلاقات مريحة، غير آبهين بالأرض المسلوبة والدم النازف.
      
    من خلال استعراض مراحل الصراع العربي الصهيوني نجد أن سياسة الكيان الصهيوني نحو الحرب أو نحو السلام تركزت أساساً على التطبيع، باعتبار أنه الضمان الرئيسي والأساسي لبقاء "إسرائيل" في المنطقة، لقد أرادت الحكومات الصهيونية إقامة علاقات اعتيادية مع العرب والفلسطينيين بحيث يقبلونها على أنها جزء من المنطقة ولا يضعان وجودها أو حقها فيه موضع تساؤل.

    تطبيع العلاقات مع "إسرائيل" لا ينطوي على مجرد إقامة علاقات اعتيادية معها كما هي العلاقات بين دول العالم غير المتنازعة، وإنما يدخل في عمق الذات العربية والإسلامية وله انعكاسات ذاتية وجماعية ذات صبغة حضارية وتاريخية.

    مفهوم التطبيع
    يمكن تعريف التطبيع على أنه ممارسة سياسات (على مستوى الحكومات) أو أفعال (على مستوى الأفراد والجماعات) للتعامل مع "اسرائيل" أو الإسرائيليين، على أنهم جزء طبيعي في الوطن العربي، وتجاهل ممارسات الحكومة الإسرائيلية والإسرائيليين في إبادة وتشريد الفلسطينيين. 

    ويسعى "التطبيع" إلى إنشاء علاقات مع "إسرائيل" و تجاوز الجرائم  بحق الفلسطينيين من غير تحميلهم أية مسؤولية.

    كما أن حجج التطبيع عند المطبّعين منقسمة إلى نوعين: صريحٌ وخفي، فالمطبّعون الصريحون ينادون بضرورة إنشاء علاقات بين الحكومات العربية و"إسرائيل" من أجل أهداف استراتيجية، وأما المستترون فمع زعمهم معارضة السياسات "الإسرائيلية"، إلا أنهم يرون أن زيارة الأراضي الفلسطينية لا تعتبر عملًا تطبيعياً. 

    تطبيع رسمي وغير رسمي
    لقد فتحت اتفاقيات أوسلو الباب واسعاً أمام عمليات تطبيع متعددة الأوجه، منها التطبيع الرسمي بين السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية ودوائرها السياسية والاقتصادية وغيرها، وأجهزة العدو المختلفة، التي تتم مباشرة بين العدو والسلطة، أو تحت إشراف المجتمع الدولي ودوله، ومنها التطبيع غير الرسمي الذي يتم من خلال مؤسسات إعلامية واقتصادية وثقافية خاصة الأوروبية.

    حيث يلتقي فلسطينيون بـ"زملاءهم" الصهاينة، من أجل البحث عن "التعايش" بين المحتل والضحية، وثمة عمليات تطبيع أخرى، يقوم بها أفراد أو مؤسسات خاصة، تقيم علاقات "صداقة" ليس فقط مع المستوطنين في الداخل المحتل عام 1948، بل مع المستوطنين في الضفة الغربية والقدس، في مجالات عدة، الاقتصادية (توزيع منتوجات المستوطنات)، والرياضية والثقافية (المشاركة في المباريات "الإسرائيلية"، أو المعارض الفنية "المشتركة")، والإعلامية. 

    سياسة التطبيع وفق شروط الواقع الراهن تقوم على:
    • الاعتراف بالحقائق التي فرضها الاحتلال عبر السنوات الطويلة وتشريعها وكأنها أصبحت مكتسبات له وبالتالي هي خارج النقاش، وبالتالي إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل بدون شروط سياسية مسبقة.
    • توقيع الاتفاقيات، حتى لو كانت مرحلية، يعني انتهاء الصراع والعداء وبالتالي ضرورة بناء العلاقات الطبيعية مع إسرائيل مثلها مثل أي دولة طبيعية في العالم.
    • بناء علاقات طبيعية مع الاحتلال الإسرائيلي سيساعد بل هو شرط ضروري لتعزيز العملية السلمية.

     

    أشكال التطبيع


    يتخذ التطبيع أشكالاً متعددة من خلال فتح جسور للاتصال وإقامة علاقات رسمية وغير رسمية، في المجالات السياسية والاقتصادية والعلمية والثقافية والفنية والرياضية والاستخباراتية مع الكيان الصهيوني.

    - التطبيع السياسي
    لقد عمّمت ثقافة "اتفاقيات أوسلو" هذا النوع من التطبيع، في حين كان مرفوضاً من قبل عامة الشعب قبلها، حيث كان مصطلح "التطبيع مع العدو" يعتبر جريمة بحق الوطن والقضية. ولكن بعد اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بشرعية وجود الكيان الصهيوني على الجزء الأكبر من فلسطين وبإمكانية التعايش معه "في حدود آمنة"، ظنّت فئات متنفذة في المجتمع الفلسطيني أنها بالدعم والرعاية الغربية لها ولخطها السياسي، ستتمكن من الإفلات من مجتمعها أو فرض خياراتها عليه.

    ويمثل التطبيع السياسي الدرجة القُصوى في التنكر للقضية الفلسطينية، لأن هذا الشكل من التطبيع ليس مجرد إقرار واعتراف بوجود المحتل على أرض فلسطين من خلال تبادل التمثيل الدبلوماسي والقنصلي وتبادل الزيارات بين ممثلي المؤسسات الرسمية، وإنما يفتح أيضاً باب التطبيع على مصراعيه في كل المجالات بما في ذلك المجال الأمني والاستخباراتي والعسكري مما يساعد الكيان الصهيوني على تثبيت احتلاله وتكريس اغتصابه وتقوية وجوده واستيطانه اللامشروع على أرض فلسطين المحتلة.

    - مخاطر التطبيع السياسي:
    • المساهمة في بناء الشرق الأوسط الكبير الذي يقوده الكيان الصهيوني، وهو الهدف الذي تسعى إليه الولايات المتحدة الأمريكية و الصهيونية منذ بدايات التطبيع ولا ينحصر دورها على فلسطين وحسب.
    • التسليم بالتفوق الاستراتيجي للكيان الصهيوني اقتصادياً وعسكرياً ومحاصرة أي محاولة لمنافسة الكيان الصهيوني، بل إنّ المنافسة تصبح جريمة في منظور المطبعين.
    • التطبيع قبول بتخريب الكيان الصهيوني للوطن.

    - التطبيع الاقتصادي
    وقد تمثلت سياسية العدو الصهيوني بالتطبيع الاقتصادي بما يلي:
     1) أن الكيان الصهيوني سيتخصص في إنتاج السلع التكنولوجية والمتقدمة، فيما يتحول الوطن العربي وفلسطين إلى سوق لتلك السلع، وإلى تصدير المواد الخام والنفط والسلع كثيفة العمل (كالمنسوجات مثلاً)، لأن اليد العاملة أرخص في الوطن العربي، أما اتساع حجم سوق صادرات الكيان الصهيوني فسيمكنه من تحقيق اقتصاديات الحجم، أي سيمكنه من تخفيض متوسط الكلفة للوحدة الواحدة في الصناعات التي تتمتع بهذه الصفة، مثل الصناعات الثقيلة أو الصناعات المحتاجة إلى استثمارات ضخمة في مجال البحث والتطوير.
    2) أن احتياطياً ضخماً من اليد العاملة الفلسطينية والعربية سوف يصبح متوفراً للمستثمرين "الإسرائيليين"، مما يتيح إقامة مستعمرات اقتصادية .
    3) أن احتياطيات ضخمة من رؤوس الأموال العربية المودعة في الغرب في صناديق استثمارية (كثيراً ما يديرها يهود أصلاً) سوف يتم تشغيلها وإداراتها بما يتلاءم مع مشروع الإمبراطورية “الإسرائيلية” في الإقليم. أما 
    إذا نشأت شبكة من المستعمرات الاقتصادية اليهودية في الوطن العربي على غرار المناطق الصناعية المؤهلة، فإن رأس المال العربي سيتم استغلاله دون أدنى شك مثل العامل العربي، خاصة من خلال الاقتراض من البنوك المحلية مثلاً، أو من خلال الشراكة مع رأسماليين محليين.

    - فقد سبق أن حققت معاهدة أوسلو والتي شكلت بدايات التطبيع بمناخات "عملية السلام" خمس فوائد مباشرة على المستوى الاقتصادي: 
    1. تخفيف العبء الأمني والعسكري على الاقتصاد الصهيوني، مما يتيح إعادة توجيه الموارد نحو رفع مستوى المعيشة، ويمكن أن نضيف، نحو التوسع الاستيطاني/الاستعماري.
    2. زيادة الصادرات "الإسرائيلية" إلى دول كانت مغلقة سابقاً، ومنها عشرات الدول التي لم تكن تقيم العلاقات مع العدو الصهيوني قبل المعاهدات، وازدياد السياحة إلى الكيان الصهيوني.
    3. انخفاض كلفة الاقتراض من المؤسسات الاقتصادية والبنوك الدولية، مع انخفاض مستوى المخاطرة المترافق مع انخفاض خطر الحرب الشاملة مع الدول العربية.
    4. تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ومجيء عشرات الشركات متعدية الحدود حاملة معها مليارات الدولارات والكثير من التكنولوجيا المتقدمة لتحويل الاقتصاد الصهيوني إلى اقتصاد شديد التقدم تكنولوجيا في التسعينات.
    5. ازدياد تصدير السلع والخدمات إلى الدول العربية، بعد أن كان ذلك يتم مداورةً، والحصول على مصادر طاقة مأمونة ورخيصة مثل الغاز المصري الذي يستخدمه الكيان الصهيوني في توليد الكهرباء.   

    التطبيع الثقافي
    ومن الأشكال التطبيعية الخطيرة التي يحرص عليها الصهاينة، وتجد استجابة لدى بعض العناصر المغفلة أوالعميلة التطبيع الثقافي، الذي يرمي إلى فتح العقول والقلوب أمام الاختراق الصهيوني الذي يوظف وسائل الإعلام والإصدارات والكتابات والأعمال الأدبية والمنتديات العلمية والثقافية وملتقيات حوار الأديان والثقافات والحضارات.

    وفي شكل تعاون بين الجامعات، والملتقيات الفنية أو عن طريق استقطاب بعض الجمعيات أو الجماعات من هذا البلد أو ذاك من أجل تذليل العقبات أمام تقبل الهيمنة والاستسلام لواقع الاحتلال في فلسطين وإعادة تشكيل المنطقة ثقافياً، بتعزيز عناصر قوة المشروع الصهيوني مع إضعاف الانتماء القومي والشعور الوطني وتدمير مقومات ثقافة الأمة العربية بما تحمله من قيم وباعتبارها مخزوناً روحياً ووعاء للتراث الحضاري لهذه الأمة، وكلما فتحت نوافذ وجسور للتبادل الثقافي تحت أي غطاء إلا وتتعبد الطريق أكثر نحو تحقيق الهدف الأساسي للعدو المحتل وهو بسط الهيمنة الصهيونية على المحيط العربي ومنه إلى باقي العالم الإسلامي.

    أهداف التطبيع الثقافي التي يريد العدو الصهيوني تطبيقها:
    1. إعادة كتابة التاريخ الحضاري للمنطقة العربية، عبر تزييف الحقائق والبديهيات التاريخية المتعلقة بالطريقة الاستعمارية الاستيطانية التي أقحمت الكيان الصهيوني في الوطن العربي.
    2.  التوقف عن تدريس الأدبيات والوثائق والنصوص المعادية للكيان، بما في ذلك الوارد منها في بعض الكتب المقدسة كالقرآن الكريم.
    3.  أن تصبح الجامعات ومراكز الأبحاث الصهيونية مرجعية علمية للمنطقة بأسرها.
    4.  تدمير المقومات الذاتية للثقافة والحضارة العربية.
    5. يستهدف إعادة صياغة المفاهيم ومناهج التفكير، بما ينسجم مع المتغيرات الإقليمية والدولية، وإعادة النظر في الكثير من قضايا التاريخ العربي.
    ويعتبر التطبيع الدعامة الرئيسية للتغلغل الصهيوني في المنطقة العربية، لأنه أعمق وأكثر استقراراً من أي ترتيبات أمنية كالمناطق المنزوعة السلاح، أو وضع قوات دولية وغيرها من الترتيبات الأمنية.

    آثار أخرى
    إن التطبيع مع العدو أو مع فئات من مجتمعه قد يشجع فئات مجتمعية أخرى، في الدول العربية والإسلامية، على انتهاج هذا المسار، بحجة البحث عن السلام والتعايش بين الشعوب، وبالتالي التخلي عن الحس العربي والإسلامي الأصيل في التعامل مع العدو ومجتمعه، والذي تبلور على مر التاريخ. 

    فالزيارات المتكررة من قبل فئات فلسطينية وعربية مهنية أو سياسية الى الكيان ولقاءاتها مع المؤسسة الصهيونية تحت شعار "السلام" أو غيره، تمنح الكيان الصهيوني مخرجاً لأزمته التي وضعته فيه المقاومة والانتفاضة، وتشجعه على قتل الفلسطينيين وتساهم في تغلغل ثقافته العنصرية والإلغائية الى الدول العربية والإسلامية والى العالم.

    التطبيع الكيان الصهيوني اليهود اقتصادي سياسي

    مقالات