الإثنين 7 أكتوبر 2024 11:47 مـ 3 ربيع آخر 1446هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    أي أخيتي ... لك في أحداث السويد عبرة

    رابطة علماء أهل السنة

    الحمد لله والصلاة والسلام عَلَى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبعد
    لقد ضج العالم بأحداث اختطاف أطفال المُسلِمِينَ مِن ذويهم فِي السويد وإيداعهم عند أُسر سويدية نصرانيَّة أو ملحدة. ولست هنا بصدد الحديث عن تفاصيل الأحداث فيمكنكِ الاطلاع عليها فِي وسائل الإعلام المختلفة. ولكني هنا أتحدث عن العبرة من هَذَا الحدث، وأوجه حديثي إلى نوعين من النساء:

    الأولى: من كانت تعيش فِي السويد، أَوْ فِي أي دولة غربية؛ أوروبية أَوْ أمريكية.
    والثانية: تلك المرأة التي تعيش فِي بلد من بلدان المُسلِمِينَ آمنة مستقرة بين أهلها وأطفالها. والهدف من هَذَا الحديث هُوَ أخذ العبرة، فالسعيد من اتعظ بغيره.

    أي أخيتي،
    إن الحضارة الغربية التي فتنت كثيرًا من النَّاس، وأوهمتهم بأنَّها جَنَّةُ الدنيا، لا تعرف معنى الأسرة، بل تسعى جاهدة لهدمها وأن تُستبدلَ بها صورٌ جديدة للأسرة لا تتناسب مع الفطرة ولا مع الشرائع التي أنزلها الله عَلَى أنبيائه منذ خلق الله آدم.
    فالأسرة عندهم قَدْ تكون بين رجل ورجل، أَوْ بين امرأة وامرأة، أَوْ امرأة لم تتزوج وعندها أطفال بدون رجل ويسمونها الأم العزباء، والتي هِيَ فِي شرعنا الزانية، أو تكون الأسرة رجل بدون امرأة عنده أطفال بدون زوجة. فليست صورة الأسرة قاصرةً عَلَى ما تعارف عليه كلُّ النَّاس، وعُرف عبر تاريخ البشرية جمعاء؛ ذكر وأنثى بعقد زواج ينجبون الأطفال ويقومون عَلَى رعايتهم، هَذِهِ الصورة غَيْرُ مستحسنة فِي الفكر النسوي الغربي وفي الحضارة الغربية.

    فلا تتصوري أخيتي أبدًا أن تُصانَ أسرتُكِ، أَوْ يُحفظَ أطفالُكِ فِي البلاد الغربية، ولا تتصوري أخيتي أنكِ قادرة عَلَى تربية أفراد أسرتكِ بما يرضي الله، فِي ظل هَذِهِ القوانين الغربية.

    أي أخيتي،
    لقد حذرنا النَّبِيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من العيش فِي ديار الكفَّارِ فقال: ((أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ ‌أَظْهُرِ ‌الْمُشْرِكِينَ)). قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ؟ قَالَ: ((لا تَرَاءَى نَارَاهُمَا)). (رواه أبو داود)

    قَالَ الخطابي رَحِمَهُ اللهُ: ((وقوله ((لا تَرَاءَى نَارَاهُمَا))، فيه وجوه، أحدها: معناه لا يستوي حكماهما، قاله بعض أهل العلم. وقال بعضهم: معناه أن الله قد فرق بين داري الإسلام والكفر، فلا يجوز لمسلم أن يساكن الكفار في بلادهم، حتى إذا أوقدوا ناراً كان منهم بحيث يراها. وفيه دلالة على كراهة دخول المسلم دار الحرب للتجارة والمقام فيها أكثر من مدة أربعة أيام. وفيه وجه ثالث ذكره بعض أهل اللغة قَالَ: معناه لا يتسم المسلم بسمة المشرك، ولا يتشبه به في هديه وشكله)). (معالم السنن 2/ 272)

    وقال ابن القيم رحمه الله: ((والذي يظهر من معنى الحديث: أن النار هي شعار القوم النزول وعلامتهم، وهي تدعو إليهم، والطارق يأنس بها، فإذا ألمّ بها جاور أهلَها وسالمهم، فنار المشركين تدعو إلى الشيطان وإلى نار الآخرة، فإنها إنما توقد في معصية الله، ونار المؤمنين تدعو إلى الله وإلى طاعته وإعزاز دينه، فكيف تتفق الناران، وهذان شأنهما؟ وهذا من أفصح الكلام وأجزله، المشتملِ على المعنى الكثير الجليل بأوجز عبارة)). (تهذيب سنن أبي داود 2/240)

    وقال ابن عبدالبر رَحِمَهُ اللهُ: ((وكيف يجوزُ لمسلم المُقَامُ في دارٍ تَجرِي عليه فيها أحكامُ الكفر، وتكونُ كلمتُه فيها سُفْلى ويَدُه وهو مسلمٌ؟ هذا لا يجوزُ لأحَدٍ)). (التمهيد 6/ 65)
    هَذَا التحذير أخيتي، إنما هُوَ وحي من الله العليم الحكيم الخبير، فهو سبحانه قَدْ أوحى إلى نبيِّه بهذا الحديث ليحذرنا من العيش فِي ديار المشركين لما فِيهِ من الضرر الكبير عَلَى ديننا.

    إنني أتفهم أنكِ هاجرت مضطرة، فارَّة بنفسك من عدوٍّ تسلَّط عليك وَعَلَى زوجك وأهلك فِي بلدكِ، فقَتل مَن قَتل، وشرَّد مَنْ شرَّد، وسَجنَ مَن سَجنَ.
    وأتفهم أن أكثر الدول العربية لا تستقبل العرب المستضعفين ولا تنصرهم، هَذَا إن لم تكن عونًا للظالم عليهم، وَهَذَا الَّذِي ألجأكِ إلى بلاد الغرب النصراني لتحمي نفسكِ وولدكِ من ظلم الحاكم المتسلِّط عليكِ فِي بلدكِ، ولوجود الأمن والعدل واحترام الإِنْسَان فِي بلاد الغرب، مما لا يوجد فِي بلاد المُسلِمِينَ وخاصَّة البلاد العربية، إلَّا ما رحم الله.

    ولكني أتفهم كذلك أن الغرب لن يقبل بمنهج الإِسْلَام فِي الحياة، ولن يقبل منكِ التمسُّكَ بدينكِ، وإظهار شعائر الإِسْلَام فِي بلده، وسيبدي لكِ ذلك إن عاجلًا أَوْ آجلًا، وسيُضَيِّقُ عليكِ فِي شأنكِ كلِّه حَتَّى تسيري عَلَى هواه وطريقته فِي العيش، وَهَذَا الَّذِي قاله ربنا سبحانه وتعالى: (‌وَلَنْ ‌تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ) [البقرة: 120]
    وقال عزَّ وجلَّ: (‌وَلَا ‌يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) [البقرة: 217]

    فإذا كان الكفار سيبذلون الغالي والنفيس من أجل محاربتنا ونحن فِي بلادنا ليصدُّونا عن ديننا ولنرجع إلى الكفر الَّذِي أنقذنا الله منه، إذا كانوا سيفعلون ذلك معنا ونحن فِي بلادنا، فكيف وقد هاجرنا إليهم وسكنا ديارهم ورضينا بقوانينهم؛ تحكمنا وتحكم تصرفاتنا وطريقة عيشنا معهم!
    إذا كان الأمر كذلك أخيتي، فلجوؤكِ إلى بلاد الكفار فِي حال الاضطرار، لا يعني الاستمرار فِيهِ، وإنما لابد من التفكير الجاد فِي البحث عن بديل آخر تتحقَّق لكِ فِيهِ عبادة الله، وإظهار شعائر دينه فِي أمن وأمان.

    أي أخيتي،
    لقد أثبتت الحوادث وتجارب الخيرين من أمثالكِ أن تربية الأبناء عَلَى منهج الإِسْلَام وَعَلَى ما يحبه الله ويرضاه فِي تلك المجتمعات، فيها صعوبة ظاهرة. وإذا تحقَّق النجاح والنجاة لأسرة من الأسر، فقد تهدَّمت مئات الأسر، وإذا تحقَّق بعض النجاح في الجيل الأول، فالخسارة فِي الجيل الثاني الَّذِي تربَّى عَلَى نظم الغرب ظاهرة جدًّا، وإذا اهتدى بعض الأبناء، فقد ضاع آلاف غيرهم، وذابوا فِي المجتمعات الغربية، ومنهم من كفر.
    فهل هَذَا ما تتمنَّينَه لذريَّتك؟!

    أي أخيتي،
    إذا كنتِ ممن تعيش فِي بلادها آمنة مستقرة تظهر شعائر دينها وتعبد ربَّها وتُربِّي ذريَّتها عَلَى هَذَا الدِّين العظيم، فاحمدي الله عزَّ وَجَّل عَلَى هَذِهِ النعمة، فإنَّ سَماعَ الأذان خمس مرات فِي اليوم، نعمة مفقودة فِي بلاد الغرب، لا تتمتَّع بها أختُكِ المهاجرةُ إليهم، ولا ذريَّتُها، فلا تتطلَّعي إلى زَيف الحضارة الغربية، وتتمنَّي العيش معهم عَلَى ترك بلاد المُسلِمِينَ والعيش بين أظهرهم.

    أي أخيتي،
    أين دعاة النسوية وتحرير المرأة وأين المنظمات النسائية، والحقوقية التي تزعم الدفاع عن الحريات، وأين الَّذِينَ أقضَّ مضاجعهم منع المرأة من قيادة السيارة فِي جزيرة العرب، أين هم جميعًا عن الأمهات الثكلى اللاتي فُجعنَ فِي أطفالِهنَّ عَلَى أيدي الحكومة السويدية، لماذا لم نسمع لهم صوتًا ولا همسًا فِي هَذِهِ الأحداث؟!
    أم هَذِهِ المرأة لا تعنيهم؟!

    أين الَّذِينَ أقاموا الدنيا ولم يقعدوها عَلَى موضوع زواج الصغيرة من الرجل الكبير، أين هم عن بكاء البنات الصغيرات المخطوفات من أمهاتهنَّ فِي السويد، لماذا لم نسمع لهم صوتًا؟
    أم هَذِهِ البنت لا تعنيهم؟!

    أي أخيتي،
    إنهم يكذبون عليكِ باسم الدفاع عن المرأة والطفل.
    إنهم يخادعونكِ بشعار الحرية، وحقوق المرأة.
    إنهم يقفون مع أعدائكِ عندما تكون القضية تتعلق بدينكِ وفطرتكِ.
    إنهم لا ينافحون من أجل مصلحتكِ الحقيقية، إنما ينافحون ويصرخون من أجل إفسادكِ وإبعادكِ عن دينكِ وفطرتكِ.
    هَذِهِ حقيقتهم، وقاكِ الله شرهم. فهل ستستجيبين لهم؟ وهل ستتركين الإنكار عليهم؟

    أي أخيتي،
    تأملي قول الله عزَّ وَجَّل: (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (٢٥) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (٢٦) فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (٢٧) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (٢٨) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (٢٩) َلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ)[محمد: 25-30]

    وتأملي قوله سبحانه: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) [النحل: 106، 107]
    أسأل الله أن يثبت قلبكِ عَلَى الحقِّ، وأن يحفظكِ ويحفظ ذريَّتكِ من كيد الكائدين ومكر الماكرين، وأن يجعل لكِ من كل همٍّ فرجًا ومخرجًا.
    اللهم لاَ تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا، وَلاَ تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلاَ مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلاَ تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لاَ يَرْحَمُنَا.
    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم عَلَى خير المرسلين وسيد الأولين والآخرين.

    أي أخيتي السويد عبرة الحجاب الإسلام

    مقالات