الأربعاء 27 أغسطس 2025 12:44 صـ 2 ربيع أول 1447هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    هل حَلُّ الجماعة هو الحل؟!

    رابطة علماء أهل السنة

    لست معنيًّا بقضية حلّ جماعة الإخوان المسلمين، ولا متحمسًا لها، لا بالتأييد لاقتراح الحلّ ولا بالرفض له، وأعتقد أنّ تجشُّم الإدلاء بالرأي والتوجيه من شخص خارج الجماعة في أمر كهذا يُعَدُّ من قبيل تدخل المرء فيما لا يعنيه؛ فالجماعة -ككل جماعة عاملة على الساحة- لها هيكلها وقياداتها ومؤتمرها العام، وهي أدرى بما يصلح لها ولكافّة أعضائها، وهي -دون غيرها من الكيانات- المسؤولة أمام الله عن جمع الناس أو تفريقهم، وعن تفعيلهم أو تعطيلهم، وليس الذي يتولى أمر جماعة من المسلمين بسالم من المساءلة أمام الله تعالى يوم الدين، ففي الحديث: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ، يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ».

    إنّما الذي يعنينا هنا هو فكرة حلّ الجماعات كحلّ لما وقعت فيه من مشكلات، أو لما تسببت فيه من أزمات، والسؤال الذي هو موضوع المقال: هل الحَلُّ في الحَلِّ؟

    لماذا نشأت الجماعات الإسلامية؟

    ما لا يدركه كثير من الناس أنّ نشوء الجماعات -ولا سيما جماعة الإخوان المسلمين- جاء استجابة طبيعية وتلقائية لزوال المعتصم الجامع؛ بسقوط الخلافة الإسلامية التي كانت تتولّى أمر المسلمين، ودخول كافّة الشعوب الإسلامية تحت رايات عمّية، ومظلات ضبابية، لا تمثل الأمة الإسلامية إلا بقدر ما كان يمثلها المندوب السامي في كلّ بلد محتلّ من بلاد الإسلام.

    وهذا النشوء جاء محفوفًا بمرتكزات شرعية محكمة تدعم هذا التوجه الجديد وتؤيده، ليس فقط لأنّ مواجهة التحديات الكبرى التي تخوضها الأمة تحتاج إلى قوى ومجموعات بشرية منظمة، وأنّ ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ولكن لذلك ولأمر آخر ربما كان أقدم وأرسخ، وهو أنّ الشريعة الإسلامية لم تدع للأمة الإسلامية فرصة لتحيا بين الأمم بلا نظام، فلدى وجود الإمام العام القوام على الأنام بشريعة الإسلام تدخل الأمة في الجماعة السياسية، ويتدخل الفقه السياسي الإسلاميّ بتنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وبتحرير الأحكام لتدبير أهل الإسلام.

    أمّا لدى شغور الزمان عن إمام عام وإمامة عامة، وعن سلطان يقيم في الناس حكم ربّ الناس؛ فعندئذ يُرَدُّ الأمر إلى العلماء؛ ليقوموا بالدور الذي يقوم به الأمراء بالوكالة عنهم.

    يقول الإمام الجوينيّ: «فإذا شغر الزمان عن الإمام وخلا عن سلطانٍ ذي نجدةٍ وكفاية ودراية، فالأمور موكولة إلى العلماء، وحق على الخلائق على اختلاف طبقاتهم أن يرجعوا إلى علمائهم، ويصدروا في جميع قضايا الولايات عن رأيهم، فإن فعلوا ذلك، فقد هدوا إلى سواء السبيل، وصار علماء البلاد ولاة العباد».

    فإذا رأى العلماء ومن معهم من أهل الشوكة أنّه بإمكانهم استعادة السلطان الشرعيّ فعلوا وأخذوا الناس معهم لإنجاز هذا الواجب الكفائيّ الكبير، وإن عجزوا عن ذلك وأقاموا جماعات تمثل قوى حركية تهيئ الأمة للتغيير؛ كان ذلك هو الواجب الميسور الذي لا يسقط بسقوط الواجب المعسور؛ فما لا يدرك كُلُّه لا يترك كلُّه، وهذا هو المسوغ الأكبر لقيام الجماعات، وإليه تنضاف باقي المسوغات، وبه تلتحق سائر المبررات، ونسيان هذا الأصل هو الذي أغرى بعض العلماء بوزن المسألة مقاصديًّا، ودَفَعَهم للقول بعدم مشروعية العمل الجماعي؛ بناء على ما وقع من مفاسد يرى البعض منهم -بالمجازفة وركوب الصعب- أنّها أربى من مصالح قيام الجماعات.

    الدعوة إلى حلّ الجماعة هروب من الحلّ

    لا أدري لماذا نصرّ على ممارسة الهروب بكافّة أشكاله وصوره؟! إنّ الدعوة إلى حلّ الجماعة هروب من مواجهة المشكلات بحلول حقيقية لهذه المشكلات، تماماً كمن يمارس الهروب من مشكلة دعوة المجتمع إذا اعتاص عليه بأن يُكَفِّرَهُ ويستريح، إنّ مشكلة العقم واضطراب الأداء ليست في وجود الجماعات، كما أنّ مشكلة انعدام الخشوع وانخرام الإخبات ليست في وجود الصلوات، إنّ وجود الجماعات والتنظيمات والروابط والهيئات والأحزاب والمؤسسات وسائر أطر العمل الجماعيّ ضرورة لا غنى عنها في هذا الزمان، ولم يستجدّ ما يرفع هذه الضرورة، فلا الخلافة الجامعة قامت، ولا الإمارات القليلة التي نجح فيها إسلاميون للوصول إلى السلطة استقرت أو حتى استقامت، وإذا كانت الثورة في بلاد الشام قد نجحت في الإطاحة بحكم عائلة الأسد المجرمين وتمكنت من حكم البلاد فإنّها لم تستطع إلى الآن ولن تستطيع على المدى القريب والمتوسط أن تقيم في سورية حكمًا إسلاميًّا ولو جزئيًّا؛ فلا وجه للدعوة إلى حلّ جماعة الإخوان المسلمين في سورية، ومن باب أولى لا وجه لإصرار السلطة الحاكمة في دمشق على أن تدس أنفها بقوة في مؤسسات المجتمع الأهلية -ولا سيما العلمائية منها- التي يجب أن تنشأ مستقلة، وإلا فما قيمة الثورة التي دفع الشعب القسط الأكبر من فاتورتها؟! أم إنّنا سنكون أمام استبداد من لون جديد؟!

    إنّ أكبر مشكلات الجماعات العاملة للإسلام هي انحسار المؤسسية، وانحصار الشورى في رسوم شكلية، وتراجع دور الشباب في رسم السياسات ووضع الإستراتيجيات، وغياب المشروع الإسلامي المنبثق عن رؤية شرعية متماسكة، والانزواء تحت أسقف محلية أو إقليمية أو دولية، وتَقَدُّم دور السياسيين والإداريين على دور العلماء والمفكرين، إضافة إلى الانقسامات وتمزق الولاءات، ووقوع التنازع بين الجماعات والكيانات، تلك هي المشكلات، وحلُّها ليس بحلّ الجماعات، ولو قمنا بحل الجماعات فرارًا من هذه المشكلات؛ لوقعنا في مشكلات أضخم، فلنواجه هذه المشكلات بشجاعة، ولنتحمل مسؤولية التغيير الداخليّ، فمن عجز عن ذلك ورأى أن يخرج من جماعة ما؛ فليخرج منها إلى صورة أخرى من العمل الجماعيّ المنظم، ومن رأى أن ينهي عمل جماعة معينة فليكن ذلك في إطار قيام عمل جماعي منظم في صورة أخرى أكثر رشدًا وأقدر على مراوغة الأعداء والانفلات من قيودهم وما يطرحونه من عقابيل.

    أمّا الوحدة الإسلامية فلا يلزم لها بالضرورة انخراط الجميع تحت راية واحدة، ولا يلزم لها حلّ الجماعات بزعم أنّها عددت الولاءات، وإنّما يلزم لها التعاون بين المكونات الإسلامية، وتحقيق الوحدة مع وجود التعددية، وذلك بمنهجية تمضي على محورين، الأول: بلورة المحكمات والثوابت وإشاعة العلم بها واتخاذها ميثاقا عامًّا، الثاني: إحياء فقه الاختلاف وأدب الاختلاف وفنّ إدارة الاختلاف؛ ليملأ مساحة الأمور التي هي من قبيل المتغيرات وموارد الاجتهاد، ويبقى أنّ إحياء دور العلماء حاسم في ترشيد المسيرة، ولنكن على يقظة من الفخاخ التي ينصبها لنا الأعداء، الذين يعلمون أكثر منّا بخطورة العمل الجماعيّ على المنظومة المهيمنة التي تُحكم قبضتها على مصائر الشعوب، والله الهادي إلى سواء السبيل.

    سوريا الشرع حل الجماعة الإخوان المسلمون الدعوة

    مقالات