الجمعة 28 نوفمبر 2025 02:26 مـ 7 جمادى آخر 1447هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    عندما يتحوّل التخويف إلى طاقة للعودة إلى الله

    رابطة علماء أهل السنة

    قال تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ ۚ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾ [آل عمران: 173–174].
    هذه الآية ليست مجرد مشهد من معركة أحد، بل منهج إلهي دائم في كيفية تعامل المؤمنين مع لحظات الترهيب السياسي والإعلامي والعسكري.
    عندما تُضخّم قوى الأرض خطر “الناس”، يريد الله أن يرتفع مستوى الإيمان، لا أن ينخفض منسوب الثبات.
    وهذا بالضبط ما تحتاجه الأمة اليوم؛ فتصنيف بعض فروع الإخوان أو الحركات الإسلامية كـ “إرهاب”، والضغط على المقاومة وتشويه الدعاة والمصلحين، هو نسخة معاصرة من: ﴿إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ﴾.
    لكنّ الردّ الشرعي ليس الخوف… بل العودة إلى الله، والوعي، والاستعداد للمواجهة الكبرى مع المشروع الصهيوني.

    التخويف… حين يصبح كشفًا لا كسرًا


    الآية تعلّمنا أن التخويف ليس علامة ضعف في الصف الإيماني، بل هو:
    كشفٌ للصف؛
    وتمييزٌ للثابت من المتردد؛
    وتذكيرٌ بأن الطريق الذي يزعج أعداء الأمة هو الطريق الصحيح.
    لقد أدرك الصحابة أن من “جمع لهم الناس” ليس قوةً فوق الطاقة، بل اختبارًا فوق العادة… فزادهم إيمانهم ثقةً، وزادهم البلاء قربًا.
    وهكذا اليوم:
    حين تُحارب الحركات الإسلامية، وتُجرّم المقاومة، ويُلاحق خطاب الهوية، فذلك يعني أن المشروع الصهيوني وصل إلى مرحلة يشعر فيها بالخطر الحقيقي من يقظة الأمة.


    المقاصد الشرعية في زمن التصنيف والتهديد


    الشرع لا يريد من المؤمن أن يهرب تحت الضغط، بل أن يفهم الضغط ضمن مقاصد الله في الكون.


    مقصد حفظ الدين
    الهجمة ليست على جماعة أو تنظيم، بل على هوية الإسلام في المجال العام.
    تصنيف الإصلاح إرهابًا هو محاولة لفصل الناس عن مشروع التحرير والنهضة.
    وحفظ الدين يقتضي الثبات، والبيان، وتثبيت الأمة على مشروعها.


    مقصد حفظ النفس
    من أعظم الإلقاء بالنفس إلى التهلكة أن يُترك المجال للصهيونية لتحدد هوية الأمة ومستقبلها.
    فالاستسلام خوفًا هو التهلكة، أما الثبات فهو النجاة.


    مقصد حفظ الأمة والكيان
    الأمة تتماسك عندما يثبت أهل الرسالة.
    سقوطهم يعني سقوط السقف كله، وثباتهم يعني عودة الحياة إلى القواعد الشعبية.



    العودة إلى الله… فريضة المرحلة

    قال تعالى: ﴿حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾
    هذه ليست جملة تهدئة نفسية… بل موقف عملي يبدأ من القلب وينتهي إلى العمل.
    العودة إلى الله في زمن التخويف تعني:
    تصحيح العقيدة،
    رفع مستوى العبادة،
    تجديد النية،
    ترك الذنوب،
    تكثير الاستغفار،
    بناء صلة بالله لا تهزها العواصف.
    فالله لم يقل: “فزادوهم خوفًا”… بل قال: ﴿فَزَادَهُمْ إِيمَانًا﴾.


    من الآية إلى الواقع… كيف يتحول الحدث إلى فرصة؟

     

    التصنيفات والتهديدات ليست نهاية الطريق بل بدايته، لأنها:
    تعيد تشكيل الصف المؤمن،
    تنقّي الداخل من الشوائب،
    تفتح باب مراجعة الأخطاء،
    وتدعو إلى رفع مستوى الوعي والجدية.
    إنها لحظة إعادة اصطفاف:
    إما أن يقف المؤمن مع مشروع أمته، أو ينسحب تحت ضغط الشائعات.



    المواجهة مع المشروع الصهيوني… ليست سلاحًا فقط


    المشروع الصهيوني يشتغل على:
    تشويه الهوية،
    تفكيك الوعي،
    ضرب الحركات الإسلامية،
    خلق بيئة طاردة للمقاومة،
    هندسة خوف يجعل الشعوب تتردد في نصرة غزة وفلسطين.
    ولذلك فإن المواجهة الشرعية المقاصدية اليوم تبدأ من:
    حماية الهوية،
    نشر الوعي،
    بناء رأي عام عالمي،
    دعم المقاومة سياسيًا وشعبيًا،
    إعداد جيل قرآني يعرف لماذا يقاوم.



    رسالة


    إن وصف المؤمنين بالإرهاب قديم؛ قال تعالى: ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ﴾.
    وهو لا يُسقط المؤمنين، بل يسقط الأقنعة عن أعدائهم.
    والمؤمن الحقّ هو الذي يرى في هذه اللحظات نداءً إلهيًا يقول له:
    اقترب… اثبت… عُد إلى الله… واستعدّ.
    فالمعركة لم تعد معركة جماعة أو حزب، بل معركة هوية وأمة ورسالة.



    خاتمة


    قال تعالى:
    ﴿فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ﴾.
    هذه سنة الله:
    إذا خاف الناس… يثبت أهل الإيمان.
    وإذا اشتدت الهجمة… اقترب النصر.
    وإذا ظُلم المصلحون… بدأت لحظة التمكين.
    فالتصنيفات لا تغيّر الحقيقة، ولا تصنع الشرعية، ولا تمنع طريق التحرير.
    وإنما تعلن أن الأمة على أبواب مرحلة جديدة من المواجهة، تحتاج إلى قلب ثابت، ووعي حاضر، واستعداد عميق، وإيمان يقول كل يوم:
    حسبنا الله ونعم الوكيل.

    التخويف طاقة العودة إلى الله سنة المواجهة مفاصد الشريعة فريضة

    مقالات