الجمعة 4 أكتوبر 2024 01:14 صـ 29 ربيع أول 1446هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    كلامي لماكرون ليسمعه العالم الإسلامي

    رابطة علماء أهل السنة

    أعتقد أن النقاشات التي أفضت إليها موجة الإسلاموفوبيا التي أطلقها الرئيس الفرنسي ماكرون للتستر على أزمات السياسة الداخلية التي تواجهها بلاده تحمل الخير وإن كانت هذه الموجة تبدو في أصلها موجة خبيثة.

    وعندما يفتح هذا النوع من الدفاتر، ولو حتى بهذه المناسبة، فإن هناك الكثير من الأمور التي سيقولها الإسلام والمسلمون لأوروبا، فهناك الكثير الذي ستسمعه أوروبا من المسلمين وإن لم ترد ذلك. بل حتى إن المسلمين الذين ينامون في سبات الغفلة سيسمعون الكثير الكثير مما سيقال لأوروبا بهذه المناسبة.

    ولما تخطى ماكرون حدوده وقال إن الإسلام بحاجة للإصلاح أصبحنا نهتم بطرح سؤال ما أوجه الفشل التي يحاول رئيس فرنسا التستر عليها داخل بلاده بإثارته مسألة كهذه أكثر من اهتمامنا بالقضايا الداخلية داخل بلادنا الإسلامية ؟؟؟.

    بل إن هذا المثال يعتبر مثالا في منتهى الأهمية يكشف لنا أن كل خطابات الكراهية أو التي يتفوه بها بعض زعماء أوروبا تجاه الإسلام إنما هي متعلقة بالمشاكل الداخلية التي تواجهها القارة العجوز.

    ولا شك أن سيادة الرئيس أردوغان هو الذي طرح خلال خطابه على هامش اجتماع منظمة التعاون الإسلامي أبرز مثال على ما نود جميعا إيصاله للعالم الإسلامي بكلامنا الموجه لماكرون.

    وللأسف فإن منظمة التعاون الإسلامي بعيدة كل البعد حتى عن مناقشة خطابات الكراهية أو الهجمات التي تستهدف الإسلام وهي في الأساس أنشئت لتمثيل جميع الدول الإسلامية والتضامن للدفاع عن الإسلام وتناول جميع المشاكل التي يواجهها المسلمون حول العالم والتعاون ووضع استراتيجيات من أجل حلها، فأجندة أكبر أعضاء هذه المنظمة مبنية أساسا على التعاون مع من يهاجمون الإسلام، ناهيكم أصلا عن أن تتجرأ على اتخاذ موقف حازم تجاههم.

    بيد أن الإمكانيات المادية والسياسية التي يتمتع بها العالم الإسلامي تكفي وزيادة للتصدي لهذه الهجمات ومنعها. ولو تضافرت اليوم جهود بعض الدول الإسلامية الكبرى، ولا أقول جميعها، لما بقي لدينا قضية كشمير ولا ميانمار ولا سوريا ولا العراق ولا اليمن بل ولا حتى القضية الفلسطينية، ولما استطاع أعداؤنا إطلاق الخطابات الهجمات المعادية للإسلام والمسلمين بهذه الوحشية، وللأسف لم يعترض أحد بخلاف أردوغان على ما قاله ماكرون وتجاوز به حدوده.

    وإذا كانت بعض الدول الإسلامية تصر على الصمت أمام هذا الموقف، فهل هذا من قبيل مبدأ إدارة المصالح سواء مع فرنسا أو سائر الدول الأوروبية رغبة في عدم إفساد العلاقات معها أم أن تلك الدول تتبنى هذه المسافة تجاه الإسلام طواعية؟

    أخبروني بالله عليكم كيف ستكافح دول إسلامية فكرة الإسلاموفوبيا وهي تتنافس فيما بينها لإدراج منظمات مدنية إسلامية تشكل تيارات كبرى في أوروبا وأمريكا على قائمة “التنظيمات الإرهابية”؟ فهذه الدول الإسلامية تتبنى موقفا يخيف أوروبا من الإسلام ويحرضها ضده.

    أما المنظمات الإسلامية التي يشتكونها للغرب فإنما هي أهم الحركات الإسلامية وأكثرها تأثيرا، فتخويف الغرب من هذه الحركات يعني بشكل مباشر تخويفه من الإسلام، ذلك أن من يفعلون هذا لا يرتبطون بالإسلام من قريب أو بعيد.

    إياكم أن تكترثوا لما يروجون له من عبارات “الإسلام الوسطي”، فهذا الإسلام الذي يمثله هؤلاء إنما هو “رغبة في تدمير الإسلام”. وفيما يلي أنقل بعض العبارات التي قالها الرئيس أردوغان وهو محق في ذلك:

    “إن الغاية الأساسية لهذا النوع من المناورات التي يقودها ماكرون، وتدعمها هذه الدول الإسلامية بسياساتها بالصمت حينا وبشكل مباشر حينا آخر؛ إنما هي تصفية الحسابات مع الإسلام والمسلمين. فهم يهدفون بهذه المناورات إلى تشكيل صورة المسلم الجبان السلبي الذي لا يرفع صوته في مواجهة الظلم ولا يحمل في قلبه أي طموح أكثر من هدفهم مكافحة الإرهاب تحت عباءة مكافحة التطرف”.

    ولعلنا نرى الصورة الفعلية لنموذج المسلم هذا الذي تشجع عليه أوروبا فعليا لدى أسماء أمثال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي أمر بقتل مواطن حر من مواطني بلده وتمزيق جثته بوحشية باستخدام المنشار داخل مبنى القنصلية السعودية في إسطنبول والذي لا تربطه علاقة لا من قريب ولا بعيد بحقوق الإنسان بسبب الممارسات القمعية التي يمارسها في بلاده والاعتقالات التعسفية وحالات الإعدام بلا محاكمة، وعبد الفتاح السيسي الذي أصدر أوامره بقتل ثلاثة آلاف من مواطنيه المدنيين المحتجين احتجاجا سلميا في يوم واحد وبوحشية قاسية وعرّض مئات الآلاف الآخرين للتعذيب داخل السجون في ظل ظروف غير إنسانية، وبشار الأسد الذي قتل أكثر من مليون من شعبه وهجّر ملايين آخرين.

    عندما يتحدث ماكرون أو أوروبا أو أمثال هذه الدول عن إصلاح الإسلام لا يتحدثون أبدا عن تصحيح مثل هذه الممارسات غير الإنسانية، فالذي يتحدثون عنه هم المسلمون المعارضون لانتهاكات حقوق الإنسان هذه والمطالبون بالحرية والديمقراطية ويتحدثون عن دعم إرادة المسلمين ومصيرهم ومستقبلهم.

    أليست الصورة واضحة كوضوح الشمس في رابعة النهار؟ فهم لا يتحدثون عن المسلمين ممن يتسببون في مقتل الملايين في العالم الإسلامي ويرتكبون الكثير من انتهاكات حقوق الإنسان والمجازر والتعذيب والممارسات القمعية التي تسحق شرف الإنسان تحت الأقدام. بل على العكس تماما، فجميع ضحايا هذه الممارسات هم من المسلمين. وفي مقابل ذلك فإن من يرتكبون هذه الأفاعيل ويدعمونها ويغضون الطرف عنها يحدثوننا اليوم عن “إصلاح الإسلام”.

    ألا ترون أنتم كذلك أن فتح هذه الدفاتر بهذه الوسيلة يحمل الخير للمسلمين؟ انظروا إلى ما يظهر على السطح من تناقضات وأوجه نفاق.

    أوربا الإسلام العالم الإسلامي ياسين أقطاي ماكرون

    مقالات