الخميس 25 أبريل 2024 07:18 صـ 16 شوال 1445هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    إنه من عبادنا المخلصين

    رابطة علماء أهل السنة

    كلُّ من سلك طريق الهداية صادقًا مع الله، وفَّقه الله لَهَا.
    وكلُّ من أراد أن يكون من أولياء الله الَّذِينَ لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وسلك طريقها، نالها بإذن الله.
    وكلُّ من نال مرتبة الولاية أصبح فِي حماية الله وحفظه، وأعانه الله عَلَى قضاء شأنه فِي هَذِهِ الدنيا، وأصبحت جوارحه كلها تعمل بما يرضي الله عزَّ وَجَّل.

    ومن الخطورة بمكان أن نعادي أولياء الله، لأن المدافع عنهم هُوَ الله جلَّ فِي علاه، ومن دافع الله عنه فهو منتصر، وما حاربه الله مهزوم لا محالة.
    قَالَ تَعَالَى: ﴿أَلَا إِنَّ ‌أَوْلِيَاءَ ‌اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (٦٣) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [يونس: 62-64].

    وعَنْ ‌أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللهَ قَالَ: «‌مَنْ ‌عَادَى ‌لِي ‌وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ؛ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ)). (رواه البخاري).

    فطريق الولاية هُوَ الالتزام بما فرض الله علينا، ثم الإكثار من النوافل. ومن بلغ هَذِهِ الرتبة تحققت له عدة أمور، مِنْهَا:
    1) دفاع الله عنه.
    2) تسديد جوارحه لتعمل بما يرضي الله.
    3) إذا سأل الله شيئًا أعطاه الله إياه.
    4) إذا استعاذه من شيء أعاذه الله منه.

    عَلَى ضوء ما سبق نكمل النظر فِي قصة يوسف مع امرأة العزيز لكي نفهم قوله تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ‌وَهَمَّ ‌بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ [يوسف: 24]. فيوسف عَلَيْهِ السلام من أنبياء الله وأوليائه المصطفين، فجوارحه منضبطة بما يرضي الله، ولما تعرض لفتنة امرأة العزيز تعوَّذ بالله مباشرة، فأعاذه الله مِنْهَا، وحماه، ولمَّا اتهمته امرأة العزيز عَند زوجها دافع الله عَنْهُ وبرَّأه.

    فكيف نفهم ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ‌وَهَمَّ ‌بِهَا﴾؟

    لقد أثبت الله لَهُ الهمَّ، ولم يُثبت لَهُ الذنب، بل أثبت لَهُ البراءة من الذنب، فلو كان هَذَا الهمُّ ذنبًا، لأوجب استغفارًا، ولعتب عَلَيْهِ ربُّ العالمين، كَمَا وقع لغيره من الأنبياء، ولكننا وجدنا الآية تُثني عَلَيْهِ أَنَّهُ من عباد الله المخلصين. ولمَّا لمْ يذكرِ الله ما الهمُّ الَّذِي همَّ بِهِ، فلا نشغل أنفسنا بِهِ، إذ لو كانت معرفتُه نافعة لنا لأخبرنا الله بِهِ.

    قال ابن تيمية (ت: 728ه) رحمه الله: ((وَهُوَ سُبْحَانَهُ - وَلَهُ الْحَمْدُ - لَمْ يُذْكَرْ عَنْ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ذَنْبًا إِلَّا ذَكَرَ مَعَهُ تَوْبَتَهُ لِيُنَزِّهَهُ عَنِ النَّقْصِ وَالْعَيْبِ، وَيُبَيِّن أَنَّهُ ارْتَفَعَتْ مَنْزِلَتُهُ وَعَظُمَتْ دَرَجَتُهُ وَعَظُمَتْ حَسَنَاتُهُ وَقَرَّبَهُ إِلَيْهِ بِمَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي فَعَلَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَلِيَكُونَ ذَلِكَ أُسْوَةً لِمَنْ يَتَّبِعُ الْأَنْبِيَاءَ وَيَقْتَدِي بِهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
    وَلِهَذَا لَمَّا لَمْ يَذْكُرْ عَنْ يُوسُفَ تَوْبَةً فِي قِصَّةِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ دَلَّ عَلَى أَنَّ يُوسُفَ لَمْ يُذْنِبْ أَصْلًا، فِي تِلْكَ الْقِصَّةِ كَمَا يَذْكُرُ مَنْ يَذْكُرُ أَشْيَاءَ نَزَّهَهُ اللَّهُ مِنْهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يُوسُفَ: 24] )). (منهاج السنة النبوية 2/ 411).

    وقال: ((والْمَقْصُودُ أَنَّ يُوسُفَ لَمْ يَفْعَلْ ذَنْبًا ذَكَرَهُ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَا يَذْكُرُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ ذَنْبًا إلَّا ذَكَرَ اسْتِغْفَارَهُ مِنْهُ وَلَمْ يَذْكُرْ عَنْ يُوسُفَ اسْتِغْفَارًا مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَةِ. كَمَا لَمْ يَذْكُرْ عَنْهُ اسْتِغْفَارًا مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْفَاحِشَةِ؛ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ ذَنْبًا فِي هَذَا وَلَا هَذَا؛ بَلْ هَمَّ هَمًّا تَرَكَهُ لِلَّهِ؛ فَأُثِيبَ عَلَيْهِ حَسَنَةً كَمَا قَدْ بُسِطَ هَذَا فِي مَوْضِعِهِ)). (مجموع الفتاوى 15/ 117).

    وإنَّ وقوف النَّاس مَعَ هَذِهِ الآية لمعرفة تفاصيل ما أخفاه الله عنا، ومِن ثَمَّ الأخذ من كتب اليَهُود ومن القصص الإسرائيلية ومن كُتب القُصَّاص، لهو موقف خاطئ لا ينفع المسلم، بل قَدْ يضرُّه بما يعتقده أَوْ ينشره من القول الباطل عَلَى نبيٍّ من أنبياء الله المخلصين.
    وَهَذَا من تلبيس إبليس عَلَى المسلم ليصرفه عَن تدبُّر الآية بأخذ العبرة المهمَّة الَّتِي نص الله عَلَيْهِا فِي الآية وَهِيَ: أن من كان من عباد الله المخلصين نجَّاه الله عزَّ وجلَّ من الفتن عِنْدَمَا تَقع.

    قال الطاهر بن عاشور (ت: 1393ه) رحمه الله: ((وَجُمْلَةُ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ تَعْلِيلٌ لِحِكْمَةِ صَرْفِهِ عَنِ السُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ الصَّرْفَ الْخَارِقَ لِلْعَادَةِ لِئَلَّا يُنْتَقَصَ اصْطَفَاءُ اللَّهِ إِيَّاهُ فِي هَذِهِ الشِّدَّةِ عَلَى النَّفْسِ)). (التحرير والتنوير 12/ 255).

    فكيف نكون من المخلصين؟

    قَالَ الرازي رَحِمَهُ اللهُ: ((قَوْلُهُ: ‌(الْمُخْلصِينَ) وَفِيهِ قِرَاءَتَانِ: تَارَةً بِاسْمِ الْفَاعِلِ، وَأُخْرَى بِاسْمِ الْمَفْعُولِ.
    فَوُرُودُهُ بِاسْمِ الْفَاعِلِ: يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ آتِيًا بِالطَّاعَاتِ وَالْقُرُبَاتِ مَعَ صِفَةِ الْإِخْلَاصِ.
    وَوُرُودُهُ بِاسْمِ الْمَفْعُولِ: يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى اسْتَخْلَصَهُ لِنَفْسِهِ وَاصْطَفَاهُ لِحَضْرَتِهِ)). (تفسير الرازي 18/ 441).

    وبناءً عَلَى كلام الرازي رَحِمَهُ اللهُ، فإننا نستطيع القيام بالأمر الأوَّل، لِأَنَّهُ من وسعنا وطاقتنا. ولذلك أخي الشاب، إن الفتن اليوم كثيرة ولا نجاة مِنْهَا إلا بالاعتصام بأمر الله، فالنصيحة لي ولك أن نلتزم بما فرض الله علينا، وأن نكثر من نوافل العبادات حَتَّى يعصمنا الله من أخطر فتنة نتعرَّض لَهَا نحن معشرَ الرِّجَال، وَهِيَ فتنة النِّسَاء.

    وأنت أخيتي، اعلمي أنَّك مقصودة بالإفساد اليوم، لصرفك عَن أهم وظيفة لك فِي الحياة بعد تحقيق العبودية لله، وَهِيَ تَرْبِيَة الأجيال عَلَى طاعة الله، فأجلبوا عليك بِخَيلهم ورَجِلِهم لإبعادك عَن هَذَا الدِّين، فاثبُتي واستعيني بالله، وتعوَّذي بالله من هَذِهِ الفتن ما ظهر مِنْهَا وما بطن.
    واعلمي أن العبادة فِي الهَرْج لَهَا فضل كبير قَالَ عَنْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ». (رواه مسلم).

    والثبات فِي هَذَا الزمان لَهُ أجر عظيم كذلك، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ الصَّابِرُ فِيهِمْ عَلَى دِينِهِ ‌كَالقَابِضِ ‌عَلَى ‌الجَمْرِ». (رواه الترمذي)
    فاصبري، واثبُتي، وكوني من عباد الله المخلصين يقيكِ الله شرَّ الشياطين، قَالَ تعالى عَن الشَّيْطَان الرجيم: ﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ ‌الْمُخْلَصِينَ﴾ [الحجر: 39-40]

    إنه من عبادنا المخلصين صبر طاعة أولياء الله طاعة عبادة

    مقالات