السبت 20 أبريل 2024 01:21 مـ 11 شوال 1445هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

         اللحظةُ الآنيَّة

    رابطة علماء أهل السنة

       عند التأمَّل في حقيقة الزمن وكيف يجري قانونُه على الناس يدركُ المرءُ أنَّه لا يملك منه في الواقع سوى لحظةٍ واحدةٍ هي اللحظةُ الآنيةُ التي يحياها، وهي وقتٌ بين وقتين لا يملكُهما، وأنَّ الجدَّ في العمل والإنجازَ في الإنتاج إنما هو حصيلةُ تلك اللحظة المتزحلقة عَبرَ أوعيةِ الزمن المتراصفة مع بعضها لتكوِّنَ الساعاتِ، فالليلَ والنهارَ، ثم عمُرَ الإنسان المديدَ الذي هو سلسلةٌ من حلقاتِ اللحظات الآنية التي هي في عجلةٍ دائرةٍ لا تتوقف.

      إنَّ اللحظةَ التي تقرأ فيها مقالي هذا الآنَ هي وقتك الحقيقيُّ الذي تملكه ولا تملك في الحقيقة زمنًا سواه، وعندما تنتهي من القراءةِ تصبحُ لحظتُك الآنيةُ تلك جزءًا من الماضي، واللحظاتُ الفائتة لن تعود بل تتلاشى في حفرةِ العدم المجازي، وكذا اللحظةُ القادمةُ غيبٌ قد تأتي عليك أولا، ولا تدري على سبيل القطع ماذا أنت صانعٌ بها لو أتت.

    من عاشَ أسيرًا للماضي بما فيه من أخطاءٍ ومُكدِّرات، أو للمستقبل المجهول بهواجس الخُسران والفشل، سوف يعيش حياته قلقًا مضطربًا، مشتَّتَ الهمِّ، ضعيفَ الشهود للحظته الآنية التي هي أساسُ نجاحه وإنجازه. 

     يعينُك على هضم الفكرة علمُك أنَّ استجماعك الكاملَ لذهنك وحواسك في العمل الحاضر بين يديك، يعينُك على تحقيق الإحسان والإتقان فيه ما لا يتحقق لك بالتشتُّت والسرحان في أودية الأزمنة المختلفة السابقة واللاحقة، وهذا هو مقامُ اليقظة التامة التي تُبلِّغُك الخشوعَ في الصلاة، وتدبَّرَ القرآن، وحفظَ العلم، وحسنَ الاستماع والتحاورِ مع الآخرين، وغير ذلك مما لا يُحصى من الخير.

      إنه سرٌّ عظيمٌ من أسرار الدافعية ورفع الهمة، من ظفرَ به ظفرَ بحظٍّ وافرٍ من المهارات وتكوين الذات.

    أيها السعيد.. 

    ما زالت فرصتُك في الخير والعطاء سانحة، فاللحظاتُ بين يديك، وهي أوعيتُك الفارغةُ التي تملك أن تودعَها ما شئت. 
    كسبُك هذه اللحظة هو كسبُ حياتك، وتفريطك بها تفريط بها، فعِش لحظتك تعِش حياتك. 

       د. جمال الباشا

    اللحظة الآنية العمل الماضي الحاضر المستقبل الإتقان العطاء

    مقالات