الثلاثاء 8 أكتوبر 2024 10:25 مـ 4 ربيع آخر 1446هـ
رابطة علماء أهل السنة

    بحوث ودراسات الفقه وأصوله

    الانقلابات والتغلب وجها لوجه .. دراسة شرعية (1)

    رابطة علماء أهل السنة

    تذكر كتب اللغة أن الانقلاب من: (قلب) الشَّيْء قلبا جعل أَعْلَاهُ أَسْفَله أَو يَمِينه شِمَاله أَو بَاطِنه ظَاهره، و(انقلب الشَّيءُ): أي انكبَّ، صار أعلاه أسفله أو يمينه شماله أو باطنه ظاهره. وانقلب الشَّخصُ إلى أهله: رجَع {لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ}.

    وانْقِلاب (مفرد): والجمع (انقلابات). وهو: تحوُّل الشّيء عن وجهه.

    و(انقلب على وجهه): انقلب على عقبيه: رجع عن رأيه أو عقيدته (ارتدَّ)، وفي التنزيل: "انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ" (الحج: 12).

    و(الانقلاب) تحول الشَّيْء عَن وَجهه تغييرا مفاجئا.

    وانقلب الحُكْمُ: تغيَّر.

    وعلى هذا فالانقلاب يدل على: الرجوع، والتردي، والردة، والتحول، والانكباب، والتغير المفاجئ.

    مفهوم الانقلاب في عالم السياسة:

    ويعرف الانقلاب في عالم السياسة بأنه: تغيير في نظام الحُكْم واستيلاءٌ عليه بالقوَّة، ويقوم به في العادة بعضُ رجال الجيش.

    وعُرّف كذلك: بأنه عملية عسكرية سريعة ودقيقة لإزاحة قائد دولة من منصبه واستبداله بغيره، سواء كان قائد الانقلاب نفسه أو من يختاره هذا ويعينه لقيادة الدولة.

    أنواع الانقلابات:

    للانقلابات أنواع عدة، ومنها:

    1. الانقلاب الداخلي: وهذا تدبره القوى التي يفترض فيها الوقاية منه كحرس الرئيس أو الملك مثلا.

    2. الانقلاب الخارجي: وهذا تدبره قوى غير المقربة من رأس الدولة.

    3. الانقلاب العسكري: وهو انقلاب يقوم به العسكر أنفسهم، يتصدر له رتبة من الرتب، وفيه يتم قتل الحاكم الأصلي أو حبسه، أو نفيه، أو إبقاؤه خارج البلاد إن لم يكن فيها.

    4. الانقلاب القصري: وهو انقلاب تدبره مجموعة شريكة في الحكم ليسيطر أحدهم على شؤون  البلاد، وهو أمر يتطلب مساندة العسكر أيضا.

    الانقلاب خروج وبغي:

    أما من الناحية الشرعية فالانقلابات تعد في المقام الأول بغي وخروج على الحاكم، وأقوال العلماء في توصيف البغاة والبغي واضحة جلية، فهذا ابن حزم وهو يتحدث عن القتال بين المسلمين: فكان قتال المسلمين فيما بينهم على وجهين:

    1. قتال البغاة.

    2. وقتال المحاربين. ((المحلى بالآثار (11/ 333)).

    ويؤكد ابن حزم هذا التقسيم فيقول موضحا: فالبغاة قسمان لا ثالث لهما:

    إما قسم خرجوا على تأويل في الدين فأخطئوا فيه، كالخوارج وما جرى مجراهم من سائر الأهواء المخالفة للحق.

    وإما قسم أرادوا لأنفسهم دنيا فخرجوا على إمام حق، أو على من هو في السيرة مثلهم. ((المحلى بالآثار (11/ 333)).

    ومن ثم فإن البغاة قوم يجمعون أمورا:

    1. تمرد على سلطة شرعية حاكمة.

    2. وجود قوة ومنعة.

    3. تأليب الرأي العام على الحاكم الشرعي، والعمل على إشاعة الفوضى بين العباد تحقيقا لأهدافهم.

    أصناف المنقلبين المتمردين البغاة:

    ومن كلام ابن حزم يفهم أن البغاة والمتمردين (المنقلبين) على أنواع:

    1. النوع الأول: لديه شبهة سائغة، ويمثل لهؤلاء بمن بغى على "علي رضي الله عنه"، ممن كانوا ضد  في معركة الجمل وصفين من الصحابة رضي الله عنهم ومن معهم، روى البخاري عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وَيْحَ عَمَّارٍ، تَقْتُلُهُ الفِئَةُ البَاغِيَةُ"، وعند مسلم عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَقْتُلُ عَمَّارًا الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ». وهؤلاء لهم أجر لوجود شبهة سائغة، وهي وجود قتلة عثمان في صف علي رضي الله عنهما.

    2. النوع الثاني: لديه شبهة لكنها غير سائغة، كما كان من الخوارج، فهم وإن كان لهم شبهة إلا أنها  غير سائغة، فقد كفروا خير الخلق وهم صحابة النبي رضي الله عنهم، وهؤلاء لا يعذرون ولا يؤجرون، ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ قَوْمًا يَكُونُونَ فِي أُمَّتِهِ، يَخْرُجُونَ فِي فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ، سِيمَاهُمْ التَّحَالُقُ قَالَ: «هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ - أَوْ مِنْ أَشَرِّ الْخَلْقِ - يَقْتُلُهُمْ أَدْنَى الطَّائِفَتَيْنِ إِلَى الْحَقِّ» قَالَ: فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ مَثَلًا، أَوْ قَالَ قَوْلًا «الرَّجُلُ يَرْمِي الرَّمِيَّةَ - أَوْ قَالَ الْغَرَضَ - فَيَنْظُرُ فِي النَّصْلِ فَلَا يَرَى بَصِيرَةً، وَيَنْظُرُ فِي النَّضِيِّ فَلَا يَرَى بَصِيرَةً، وَيَنْظُرُ فِي الْفُوقِ فَلَا يَرَى بَصِيرَةً» قَالَ: قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: «وَأَنْتُمْ قَتَلْتُمُوهُمْ، يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ».

    3. النوع الثالث: لا شبهة لديه إلا حب الاستيلاء على السلطة، كالخارجين على ابن الزبير بعدما تمت له البيعة في الحجاز ومصر والعراق وكثير من بلاد الشام، قال ابن حجر: وانتظم له-أي ابن الزبير- ملك الحجاز واليمن ومصر والعراق والمشرق كله وجميع بلاد الشام حتى دمشق ولم يتخلف عن بيعته إلا جميع بني أمية ومن يهوى هواهم وكانوا بفلسطين فاجتمعوا على مروان بن الحكم فبايعوه بالخلافة. ((فتح الباري (13/ 195)). وهؤلاء كسابقيهم لا أجر ولا عذر، بل آثمين مأزورين.

    4. النوع الرابع: لا شبهة لديهم إلا حب السلطة كسابقهم، لكنهم جمعوا مع حب السلطة كراهية الإسلام ودعاته، ومنهم من أفصح ومنهم من أخفى، وهم متمردو ومنقلبو القرن الواحد والعشرين، وسيأتي الحديث عنهم قريبا.

    يتبع.... (المقالة القادمة: الخروج والخوارج... توصيف الحالات المعاصرة من مبارك حتى السيسي).

    الانقلاب الشرعية العسكر المتغلب الخوارج الخروج

    بحوث ودراسات